إشكاليات عبد الواحد لؤلؤة

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
20/10/2008 06:00 AM
GMT



 دخول العامية على الفصحى يُعدّ تطوّراً للغة العربية، هذا على الأقلّ ما يؤكده عبد الواحد لؤلؤة في «أوراق الخريف... دراسات وترجمات نقدية». يقدّم الناقد العراقي حصيلة الأفكار التي شغلته على مدى سنوات. ولعلّ الفصل الأخير عن الشعر الحرّ هو الأكثر إشكالية في كتابه!
حسين السكاف
يقدّم الناقد العراقي عبد الواحد لؤلؤة في «أوراق الخريف... دراسات وترجمات نقدية» (دار رياض الريّس) الكثير من الأفكار والرؤى النقدية عبر سبع مقالات له وخمس مترجمة لكتّاب وأساتذة في النقد الأدبي. يفتتح لؤلؤة كتابه بمقال «فصاحة العامّية»، مستعيداً التطورات التاريخية التي عملت على ولادة اللغة العامية من رحم الفصحى. يبدأ مع دانته، ثم يعرّج على العصر العباسي ودخول الأعاجم من فرس وهنود وبعض أقوام آسيا الوسطى إلى الدين الإسلامي. ويرى أنّ دخول اللغة العامية وبعض الكلمات الأعجمية على العربية الفصحى هو تطور مهم للغة العربية! وليس بعيداً عن الشعر، يختار المؤلف عشر قصائد لبدوي الجبل في مقال «بدوي الجبل: جمالية الأسلوب الشعري» ليدلنا على الطريقة المثلى لتقويم القصيدة والشاعر: «المقياس الحقيقي لجودة الشعر، أو جماله، هو النظر إليه بعين، والنظر بأخرى إلى أفضل ما قيل أو كتب من شعر في عصور سابقة وأخرى قريبة. فالجيد عند هوميروس أو دانته أو شكسبير مثلاً يجب أن يكون حاضراً في الذهن عند الحكم».
إلا أنّنا نجد بعض ما يناقض هذا في مقال «مسيرة الشاعر... إنساناً» الذي يبدأ بسؤال: «كيف السبيل لكي تتخلص الكتابات النقدية في العربية من تناول الشعر من المنظور الديني أو السياسي عند الشاعر، بدل النظر إلى الشاعر إنساناً... يكتب الشعر؟» إلا أنّ إشارات واضحة تفيد بأنّ مؤلف الكتاب انقاد وراء العاطفية أكثر من العلمية، لدى تناوله الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد. إذ راح يبرّر له الكثير من قصائد المديح المتخفية وراء ستار حب الوطن، على حساب القيمة الشعرية للقصيدة. يتضح هذا من اختياره قصيدة «أيها الوطن المتكبر» التي كتبها الشاعر خلال الحرب العراقية ـــ الإيرانية، مشيراً إلى أنّه لم يجد فيها شعارات ولا محاباة للسلطة. والحقيقة أنّ القصيدة ليست بريئة أبداً. ومثل تلك القصائد يعرفها العراقي جيداً حين كانت تدعوه إلى الموت في سبيل القائد، لا العراق. ولم يكتف لؤلؤة بهذا، بل تناول الشاعر العراقي يوسف الصائغ. وقارب التجربة الشعرية لعبد الواحد والصائغ من باب العاطفة، فوصل إلى تنظيف تاريخ أهم شاعرين عراقيين خدما الديكتاتور بتفانٍ.
لكنّ الإشكالية الحقيقية تكمن في الفصل الذي خصّصه للشعر الحر بعنوان «الشعر الحرّ والخطأ المستمرّ» يذكر فيه أنّ كتّاب الشعر الحرّ كانوا «جبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ وبعض الراحلين». والإشارة إلى قصائد جبرا يقصد بها مجموعته «تموز في المدينة»، إذ يقول إنّها «أول مجموعة من الشعر الحر تصدر خارج بلاد الشام، السبّاقة للكتابة بهذا الأسلوب بمعناه الدقيق والتي أصدرها ببغداد عام 1959». واللافت أنّ المؤلف استبعد أسماء مهمة مثل السيّاب والملائكة وبلند الحيدري والبياتي. ويمكننا أن نستعير عبارة تفصح جلياً عن هذه الإشكالية، إذ يقول لؤلؤة في حوار لمجلة «نزوى» العُمانيّة، كنّا نتمنى أن يتضمّنه الكتاب: «هذا الخلط مصيبة في الكتابات النقدية منذ عام 1947 وأحاديث نازك الملائكة عن «الشعر الحر»، وهي التسمية الخطأ لشعر التفعيلة الذي طورته في أولى قصائدها بعنوان «الكوليرا». طوال عقود أربعة عجاف، وأنا أكرر أنّ «الشعر الحر» تسمية اخترعها الشاعر الأميركي والت وتمن عام 1855 في مقدمة مجموعته «أوراق العشب». والترجمة العربية للمصطلح الأميركي غير دقيقة أساساً. فالعبارة هي Free verse وليس Free poetry والمشكلة أنّ كلمة Verse تعني «بيتاً من الشعر المنظوم» بينما كلمة Poetry تعني الشعر بمعناه الأوسع. كان الحري بالمصطلح أن يترجم إلى «النظم الحر» لأنّ ما طوّرته نازك الملائكة ومعها بدر والبياتي وبلند والتابعين هو نظم بالتفعيلة يتحرّر من عدد التفعيلات في بحور الخليل. لكن الخطأ شاع واستشرى». إلا أنّ إشكالية هذا الرأي هي ما يتنافى مع الكثير من الدراسات والبحوث التي عرفناها لكبار النقّاد والأدباء العرب، منذ أكثر من نصف قرن. ورغم أنّ المؤلف ذكر نازك الملائكة وقصيدة الكوليرا، إلا أنّ ما ذكره كان يدور في فلك الرأي نفسه.
ورغم أن لؤلؤة ينشد الدقة، إلا أنّ أغلب القصائد التي تناولها نماذجَ لدراسته، غاب عنها تاريخ كتابتها، وهذا ضروري، لكونه يؤرخ لفترة زمنية أو حركة أدبية مهمّة مثل تاريخ الشعر الحر في الوطن العربي.